أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 3 نوفمبر : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 19 ربيع الآخر 1445 هـ ، الموافق 3 نوفمبر 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، بصيغة word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، للدكتور محروس حفظي :

(1) تكريمُ اللهِ – عزّ وجلّ  للإنسانِ في الشرائعِ السماويةِ.

(2) وسائلُ لحمايةِ حقِّ الإنسانِ في الحياةِ.

(3) الإسلامُ فاقَ الجميعَ في تقريرِ وتعظيمِ وتأكيدِ حقِّ الحياةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023 م بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان: «الحقُّ في الحياةِ بينَ الشرائعِ السماويةِ والمواثيقِ الدوليةِ»

بتاريخ 19 ربيع الآخر 1445 هـ = الموافق 3 نوفمبر 2023 م

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة 3 نوفمبر 

(1) تكريمُ اللهِ – عزّ وجلّ – للإنسانِ في الشرائعِ السماويةِ:

لقد كرَّمَ اللهُ الإنسانَ كما قال ربُّنَا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، فلقد خلقَ اللهُ الإنسانَ بيدِه، ونفخَ فيهِ مِن روحِه، وأسجدَ له ملائكتَهُ، وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعًا منه، وأنزلَ الكتبَ، وأرسلَ الرسلَ، كلُّ هذا مِن أجلِ الإنسانِ، وأنزلَ عليهِ شريعةً ضمنتْ لهُ كلَّ الحقوقِ، وضمنتْ لهُ الحياةَ السعيدةَ الأبيةَ، ومِن أعظمِ وأكبرِ هذه الحقوقِ التي ضمنتهَا الشريعةُ للإنسانِ “حقُّ الحياةِ”، ولا يجوزُ أبدًا لأحدٍ أنْ يسلبَ هذه الحياةَ مِمّن وهبهَا لهُ اللهُ تعالى إلّا ما وردَ به النصُّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ” (مسلم)، فلا يجوزُ أبدًا أنْ تنتهكَ حرمةُ الحياةِ، وأنْ تسفكَ دماءُ الخلقِ قالَ ربُّنَا: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}، ولعظمِ حقِّ الحياةِ للإنسانِ كانَ أولُ شيءٍ يقتصُّ منهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ– فيما يتعلقُ بالخلقِ مِن سلبِ حياةِ إنسانٍ دونَ وجهِ حقٍّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فِي الدِّمَاءِ»(الترمذي وحسنه).

لقد كانت المرأةُ في البلادِ العربيةِ قبلَ الإسلامِ وصلتْ إلى أقصى درجاتِ الإهانةِ والاحتقارِ، فكانت في كثيرٍ مِن الأحيانِ تعتبرُ مِن سقطِ المتاعِ! حتى لقد حرمتهَا طائفةٌ مِن هؤلاءِ حقّ الحياةِ، فكانت تقتلُ بدونِ سببٍ بل كانت تُدفَنُ حية – ويسمَّى الوأدُ- خشيةَ العارِ والفقرِ، وقد أنزلَ اللهُ فيها قولَهُ تعالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}، فكانُوا يفعلونَ ذلك خشيةَ العارِ والفقرِ، فجرّمَ اللهُ هذا أيَّمَا تجريمٍ بل زوالُ وفناءُ الدنيا بما فيها أهونُ عندَ اللهِ – تعالى- مِن سلبِ حياةِ إنسانٍ بريءٍ، فعَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (ابن ماجه) .

كان الناسُ بشرعٍ مِن اللهِ مِن لدنْ آدمَ إلى يومِنَا هذا، والشرائعُ على اختلافِهَا اتفقتْ على تحريمِ القتلِ، فقد منعَ اللهُ الاعتداءَ على الدماءِ، وشرعَ القصاصَ ردعًا وكفًا للظالمين والمجرمين، كلُّ ذلك ليعلمَ العبادُ جميعًا أنَّ سفكَ الدماءِ مِن أعظمِ الحرماتِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ» (البخاري) .

لقد جعلَ اللهُ الاستهانةَ بحياةِ واحدٍ هي استهانةٌ بحياةِ الناسِ كلِّهم، وقتلُ النفسِ الواحدةِ هو بمثابةِ قتلِ الإنسانيةِ جمعاء، فجعلَ الواحدَ يُساوي أمةً في حُرمةِ دمِه، وقد عدَّ العلماءُ “حقَّ الحياةِ” أحدَ الكلياتِ الستِّ التي جاءتْ جميعُ الشرائعِ السماويةِ بالمحافظةِ عليهَا فلا تنكرُهَا إلّا العقولُ المريضةُ والنفوسُ الخبيثةُ، قال سبحانَهُ عقبَ الحديثِ عن قصةِ قابيلَ وهابيل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} قال المفسرون: تعظيمًا لجريمةِ القتلِ، ولكثرةِ الذنوبِ التي يتحملُهَا القاتلُ، وإنّما ذكرَ سبحانَه بني إسرائيلَ؛ لأنَّهُم يَكثرُ فيهم القتلُ، فهم يتشوفون إلى سفكِ الدماءِ، ويتعطشونِ للاكثارِ منها، وهم الذين اجترءوا على قتلِ نبيِّ اللهِ زكريا وابنِهِ يحيى عليهما السلام، وأرادُوا قتلَ عيسَى عليه السلامُ ولكن رفعَهُ اللهُ – تعالى- إليه وما قتلُوه يقينًا، بل أرادُوا قتلَ نبيِّنَا مُحمدٍ ﷺ، فقد سمّتْ امرأةُ سلامِ بنِ مشكمٍ اليهوديةُ شاةً فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ:«مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ» قَالَ:- أَوْ قَالَ – «عَلَيَّ» قَالَ قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ:«فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (مسلم) وكذا في قصةِ إجلاءِ بنِي النضيرِ ومحاولةِ إلقاءِ صخرةٍ عظيمةِ عليهِ ﷺ فأخبرَ اللهُ النبيَّ ﷺ بالوحيِ وحاصرَهُم حتى أجلَاهُم عن مدينتِه، وصدقَ اللهُ حيثُ قال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

إنَّ آخرَ وصايا النبيِّ ﷺ في أعظمِ محفلٍ شهدتهُ البشريةُ وأشرفِ اجتماعٍ حدثَ على وجهِ الأرضِ في حجةِ الوداعِ التنبيهُ على حقِّ الحياةِ وعلى خطورةِ سلبِهِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ:«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: “اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ” (البخاري) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة 3 نوفمبر 

(2) وسائلُ لحمايةِ حقِّ الإنسانِ في الحياةِ: وضعَ الإسلامُ عدةَ وسائلَ كي يحمِي بها حقَّ الحياةِ للبشريةِ جمعاء مِن هذه الوسائلِ:

أولًا: التنفيرُ مِن جريمةِ القتلِ: يأتِي المقتولُ والمجرمُ القاتلُ الذي قتلَ نفسًا أو شعبًا يأتي يومَ القيامةِ وحولهُ كلّ مَن قتلَهُم جوعًا أو عريًا أو رميًا أو قتلَهُم بغيرِ ذلك يأتِي هؤلاء يتعلقونَ بالقاتلِ يومَ القيامةِ وهم يقولونَ للربِّ جلَّ جلالُهُ: يا ربِّ! سلْ هذا فيمَ قتلنَا؟! فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ” (الترمذي وحسنه) .

ثانيًا: الوعيدُ الشديدُ لِمَن يقتلُ الأبرياءَ: سلبُ الحياةِ كبيرةٌ تأتِي بعدَ الشركِ باللهِ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، وتدبرْ معي هذا الوعيدَ، ولو أنّك فتشتَ في القرآنِ الكريمِ كلِّهِ لن تجدَ وعيدًا كهذا الوعيدِ في قولِه تعالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} أيُّ وعيدٍ هذا؟ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  «أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» (ابن حبان) .

قال العلماءُ: إنَّ القاتلَ يرتكبُ ثلاثَ جناياتٍ، واحدةٌ في حقِّ اللهِ، وواحدةٌ في حقِّ الورثةِ، وواحدةٌ في حقِّ المقتولِ فأمَّا التي في حقِّ اللهِ: فتسقطُ بالتوبةِ إذا تابَ قَبِلَ اللهُ توبتَهُ، وأمّا التي في حقِّ الورثةِ: فتسقطُ بالقودِ أو بالعفوِ أو بالديةِ، وأمّا التي في حقِّ المقتولِ: فهذه يؤجلُ النظرُ فيها إلى الحضورِ بينَ يدي اللهِ يومَ القيامةِ؛ لأنَّ المقتولَ ما استفادَ مِن القتلِ، لذا ترفعُ القضيةُ ويعادُ النظرُ فيها يومَ الوقوفِ بينَ يدي اللهِ.

ثالثًا: الترغيبُ في العفوِ حالةَ القتلِ: شرعَ اللهُ– عزّ وجلّ- لأولياءِ الدمِ ثلاثةَ أمورٍ: إمّا المطالبةُ بالقصاصِ، وإمّا الرضا بالديةِ، وإمّا العفو، أو تحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ فهو لمّا أخرجَ نفسًا مؤمنةً مِن الحياةِ وسلبِهَا حقّهَا كان عليه إدخالُ رقبةٍ مؤمنةٍ إلى حياةِ الحريةِ مرةً أخرى وعتقهَا مِن حياةِ الملةِ والمهانةِ، وطرائقُ القتلِ تختلفُ: فما كان قتلًا عن مشاحنةٍ وخصومةٍ عارضةٍ فتغليبُ العفوِ هنا أفضلُ قال اللهُ جلَّ وعلا: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وقال جلَّ وعلا: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وأمّا ما كانَ عن ظلمٍ وغدرٍ وانتهاكِ أعراضٍ فإنّهُ قد يُبعدُ العفو أنْ يكونَ الأفضل، وليس الأمرُ على إطلاقِه، ولكن كلُّ حادثةٍ تقدرُ بقدرِهَا.

رابعًا: حُرِّمَ على الإنسانِ سلبُ حياتِه بأيِّ وجهٍ: لأنَّ اللهَ اختصَّ بشأنِ هذه النفسِ وبأمرِ الروحِ فلا يملِكُ الإنسانُ أنْ يعتدِي على نفسِهِ أو يُزهِقَ روحَه، فهي وديعةُ اللهِ ومُلكُه، ليس لصاحبِهَا إلّا حراستُهَا حتى تُستوفَى منه، فمَن حاولَ الاعتداءَ على نفسِه ولم يمُتْ عُوقِبَ، وإنْ ماتَ فوعِيدُهُ في الآخرةِ شديدٌ قالَ ربُّنَا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} فإلقاءٌ بالنفسِ للهلاكِ جريمةٌ واعتداءٌ تجاهَ الفطرةِ والإنسانيةِ والدينِ، فعن جُندب أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «كان برجلٍ جراحٌ فقتلَ نفسَه، فقال الله: بَدَرَني عبدي بنفسه، حرَّمتُ عليه الجنة» (متفق عليه).

خامسًا: شُرِعَتْ عقوبةُ القصاصِ مِن الجانِي والمعتدِي: لما اقتضَتْ سنةُ اللهِ في الكونِ أنْ يتعاظَمَ الشرُّ في بعضِ النفوسِ فلا تنتهِي عن شرِّهَا إلّا بالقتلِ، وأنْ يصطرعَ الهدى والضلالُ فلا يحكمُ بينهم إلّا السيف، كانت شِرعةُ اللهِ العادلةَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالقِصاصُ إبقاءٌ على الحياةِ كلِّهَا، وربطَ الأمرَ بالتقوى؛ لأنَّه بغيرِ التقوى لا تقومُ شريعةٌ، ولا يُفلِحُ قانونٌ، ولا يتحرَّجُ مُتحرِّجٌ، وما أكثرَ الأمراضِ النفسيةِ والفكريةِ التي تظهرُ أو تخفى في سلوكِ الأفرادِ والجماعاتِ، وقد شُرِعتْ سيرٌ وعباداتٌ منوعةٌ يستشفي بها الذين ينشُدون العافيةَ، والذين يُؤثِرون حياةَ الشرفِ والسِّلمِ، فلا يبسُطونَ أيديهُم بالأذَى، ولا يلَغونَ في دمٍ أو عِرضٍ أو مالٍ، فهل نعتذِرُ لشخصٍ يهتِكُ الحُرماتِ؛ لأنّهُ مُستطارُ الشهوةِ، أو نعتذِرُ لسفَّاكٍ يُرخِصُ الدماءَ؛ لأنَّهُ مُنحرِفُ المزاجِ، وإلّا فلماذا إذًا تُقتلُ الكلابُ المسعورةُ والذئابُ المُغتالةُ.

إنَّ القاتلَ يُقتلُ ولا مساغَ للجدالِ عنه، وإنَّ القِصاصَ في النفسِ والأطرافِ شريعةٌ قديمةٌ عادلةٌ حكيمةٌ قال ربُّنَا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، وكانتْ الشريعةُ حاسمةً في صيانةِ النفسِ بلا تهاونٍ ولا تساهُلٍ.

كما فرضَ الإسلامُ عقوبةً تبعيةً هي “الحرمانُ مِن الميراثِ” حتى لا يتعجلَ الوارثُ موتَ مورثِهِ طمعًا في ثروتِه وذلك تطبيقًا للقاعدةِ الفقهيةِ “مَن استعجلَ الشيءَ قبلَ أوانِه عوقبَ بحرمانِهِ” فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» (ابن ماجه) .

وإمعانًا مِن المشرِّعِ الربانِيِّ في حمايةِ حقِّ الإنسانِ في الحياةِ قررَ “قتلَ الجماعةِ بالواحدِ إذا اجتمعُوا على قتلِه”، وقد أمرَ سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه قتلَ مَن اشتركوا في قتلِ الرجلِ عندما بعثَ إليهِ والِيهَا بقضيتهِم بعدَ استشارةِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم في هذا، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ إِنْسَانًا قُتِلَ بِصَنْعَاءَ، وَأَنَّ عُمَرَ قَتَلَ بِهِ سَبْعَةَ نَفَرٍ وَقَالَ:  «لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا» (ابن أبي شيبة) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة 3 نوفمبر 

(3) الإسلامُ فاقَ الجميعَ في تقريرِ وتعظيمِ وتأكيدِ حقِّ الحياةِ:

إنَّ الإسلامَ أولَى حياةَ الإنسانيةِ حمايةً وقداسةً أيًّا كان جنسُهُم أو لونُهُم أو عرقُهُم أو مللُهُم بخلافِ مَن يدَّعون ذلك دونَ تطبيقِه على أرضِ الواقعِ فبنو إسرائيلَ مثلًا يدَّعُون أنَّهُم “شعبُ اللهِ المختار” وقد حكى اللهُ ذلك عنهم وردَّهُ عليهِم ردًّا مخرسًا فقال سبحانه على لسانِهِم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} .

هم يدعون أنَّ القداسةَ والحمايةَ والحفظَ وحقَّ الحياةِ مقصورٌ عليهم، وقد نقلَ القرآنُ الكريمُ عنهم ذلك هذا الاعتقادَ الفاسدَ والتمييزَ غيرَ المبررِ فقالَ ربُّنَا: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ألَا ما أقبحَ هذه العنصريةَ المتعجرفةَ المستهينةَ بحقِّ حياةِ الآخرينَ مِن النساءِ والأطفالِ والمساكين.

اللهُمَّ عافنَا في أبدانِنَا وأسماعِنَا وأبصارِنَا وقواتِنَا أبدًا ما أبقيتَنَا، واجعلهُ الوارثَ منَّا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ ترزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّك أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

                                  كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

                               مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!